حقيقة الصراع بين الدين والعلم


الدين والعلم ضروريان وأساسيان على مستوى الإنسان والمجتمع معًا في آنٍ دون إفراط أو تفريط في كليهما، فليكف العالم عن أدلجة صراع بين الدين والعلم فلا يوجد صراع بين الدين والعلم من الأساس إنما الصراع في عقول المتطرفين في الجانبين، بعض المتطرفين في فهم الدين وبعض المتطرفين في فهم العلم، ولا علاقة للدين بمن أساء فهمه ولا علاقة للعلم بمن أساء فهمه أيضا على حد سواء، فالتطرف في فهم الدين سببه إما إفراط أو تفريط في بعض العقول التي أساءت فهم الدين وذهب بها هذا التطرف إلى محاولة إلغاء دور العلم على مستوى الإنسان والمجتمع وهذا لم يدعو له الدين بتاتا فالدين لا يحث فقط على العلم الديني الشرعي إنما يحث الدين أيضا على العلم الدنيوي النافع في شتى المجالات، والتطرف في فهم العلم سببه إما إفراط أو تفريط في بعض العقول التي أساءت فهم العلم وذهب بها هذا التطرف إلى محاولة إلغاء دور الدين على مستوى الإنسان والمجتمع وهذا لم يدعو له العلم بتاتا فالعلم النافع يعي جيدا فضل الدين في إنارة دربه ودرب الإنسانية جمعاء، فلننبذ التطرف في فهم الدين ولننبذ التطرف في فهم العلم على حد سواء، فلتسمي دول العالم الأمور بمسمياتها فكما أن هناك تطرف في فهم الدين هناك أيضا تطرف في فهم العلم وهما الاثنان لا يمتان للدين والعلم بأية صلة بل يمتان للعقول التي أساءت فهم الدين وللعقول التي أساءت فهم العلم على حد سواء، وتعريف التطرف في فهم الدين والتطرف في فهم العلم بَيِّنٌ جَلِيٌّ كما تَقَدَّم، فليُنسب التطرف إلى عقول المتطرفين في الجانبين لا أن ينسب التطرف إلى الدين والعلم فالدين والعلم لا يمتان للتطرف بأية صلة، لا للإفراط أو التفريط في فهم الدين ولا للإفراط أو التفريط في فهم العلم، فلتعي دول العالم أن التطرف إفراط وتفريط منبوذٌ بصفة عامة لكل ذي عقلٍ ودين وهذا الوعي المتزن سبقتكم إليه دول العرب المسلمين.

الخير نفع والشر ضرر وخير الخيرين أكثرهما نفعا وخير الشرين أقلهما ضررا، والأصل في الخير دعم وتحصيل وتكميل والأصل في الشر دفع وتقليل وتعطيل، والأصل في خير الخيرين دعم وتحصيل الأكثر نفعا فالأقل والأقل وهكذا دواليك تكامُلًا للخير، والأصل في خير الشرين دفع وتقليل الأكثر ضررا فالأقل والأقل وهكذا دواليك تعاطُلًا للشر، ولابد للخير والشر وخير الخيرين وخير الشرين من ميزان يعرف به عليهما ويستدل، والميزان الشرعي الأصل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والميزان الدنيوي الفرع ما لا يتعارض معهما وله أصل يستدل به، وللعلوم الدينية الشرعية العارفون بها وبالموازنات في شؤونها، كحال الفقيه والعالم في الدين – على سبيل المثال – قبل إصدار الفتوى الدينية عبر دور الإفتاء الدينية في دول المسلمين فهو الأدرى بالموازنة هنا من غيره بحكم درايته ومعرفته الواسعة بالمنافع المشروعة والمضار المبطولة وفق مرجعية الدين الثابتة -الكتاب والسنة- وقس على ذلك في سائر العلوم الدينية الشرعية، وللعلوم الدنيوية النافعة العارفون بها وبالموازنات في شؤونها أيضا، كحال الطبيب – على سبيل المثال – الذي يريد أن يصف دواءً منافعه أكثر من مضاره فهو الأدرى بالموازنة هنا من غيره بحكم درايته ومعرفته بالعلوم الطبية العضوية أحد العلوم الصحية اللازمة لصحة الإنسان وقس على ذلك في سائر العلوم الدنيوية النافعة بما يحقق الخير للصالح العام، والموازنة لترجيح المنافع ودفع المضار هي آلية فكرية وليست الميزان نفسه، فسلامة الميزان لدى الموازن هي التي تؤدي لسلامة الاختيارات عند الموازنة ورجاحة القرارات عند إصدارها، سواء في العلوم الدينية الشرعية لدى الفقهاء والعارفين بها أو في العلوم الدنيوية النافعة لدى الفقهاء والعارفين بها أيضا، والفقه في الأخيرة معناه الفهم والعلم بالشيء، والأهم من أن تكون الآلية الفكرية لعملية الموازنة لدى المرء سليمة هو أن يكون الميزان لديه أسلم، فليعي العالم أن العلوم الدينية الشرعية والعلوم الإنسانية النافعة ضروريان وأساسيان على مستوى الإنسان والمجتمع معا في آن دون إفراط أو تفريط في كليهما، الدين أنار للعلم دربه وأنار للإنسانية درب التعلم فلا تظلموا الدين فذلك خسران مبين، والعلم النافع أدى إلى نفع الإنسانية في شؤونها الدنيوية فلا تظلموا العلم فذلك وهم، الدين يحث على العلم النافع والعلم النافع لا يتعارض مع الدين وله أصل يستدل به ولا يوجد صراع بين الدين والعلم من الأساس.

فليعي العالم أن لا علاقة للدين بمن أساء فهمه ولا علاقة للعلم بمن أساء فهمه ولننبذ التطرف في فهم الدين ولننبذ التطرف في فهم العلم على حد سواء، وليعي العالم أنه لا يوجد صراع بين الدين والعلم من الأساس إنما الصراع في عقول المتطرفين في الجانبين، الأمر الذي يتطلب نشر الوعي بالاعتدال والاتزان في فهم الدين ونشر الوعي بالاعتدال والاتزان في فهم العلم، فالدين والعلم ضروريان وأساسيان على مستوى الإنسان والمجتمع معا في آن دون إفراط أو تفريط في كليهما، فلنرسخ أهميتهما في مجتمعاتنا لما فيه الخير للصالح العام في دنياه وآخرته ولننبذ التطرف والإفراط والتفريط في كل شيء، إن الوعي وعي الدين والدنيا وليس وعي الدين فقط أو وعي الدنيا فقط، والوعي الأعلى وعي الدين والوعي الأدنى وعي الدنيا، ولا بد للمرء من الاثنين باعتدال واتزان فيهما، لاسيما أن غاية الخلق عبادة وإعمار، العبادة غاية الخلق العليا والإعمار غاية الخلق الدنيا، فالدين دعا إلى الاثنين مَعًا – العبادة والإعمار – وهما غاية الخلق قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإنْس إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[آية56:سورة الذاريات] وقال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُم مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُم فِيهَا﴾ [آية61:سورة هود]، العلم في ضوء الدين والعمل في ضوء الإيمان مَعًا في آنٍ باعتدال وتوازن واتزان دون إفراط أو تفريط في فهم الدين ودون إفراط أو تفريط في فهم العلم بإتقان قدر الاستطاعة والإمكان والله ولي التوفيق، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر وانفعنا وانفع بنا ووفقنا جميعا إلى ما فيه الخير للصالح العام ابتغاء مرضاتك ووجهك الكريم سبحانك بيدك الخير إنك على كل شيء قدير.

 

▪︎ علي الحبيب بوخريص.

▪︎ من كتابه نظرية الاتزانية.