الاختلاف والتعددية الطبيعية وغير الطبيعية


الحقيقة واحدة ووجهات النظر إليها متعددة، إن الاختلاف المبني على ثوابت مشتركة بين المختلفين تعددية متنوعة طبيعية تبني الأوطان وتخفف أعباءها، والاختلاف غير المبني على ثوابت مشتركة بين المختلفين تعددية متشتتة غير طبيعية هدامة للأوطان ومثقلة لكاهلها، فلا يوجد بناء قوي يرتفع بدون أساسات ثابتة.

من المفترض أن الاختلاف لا يفسد للود قضية كما يعلم الجميع هذه الجملة الهادفة، ولكن هل يعلم جميع السياسيين اليوم مضمون هذه الجملة ؟!، فقد تحمل في جعبتها الكثير، الاختلاف لا يفسد للود قضية بمعنى أن نتعايش مع أفكار الآخرين ووجهات نظرهم وآرائهم وتوجهاتهم حتى وإن اختلفت معنا ما لم تُفرض علينا، فالاختلاف أمر طبيعي كاختلاف الشعوب في عاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم لا سيما آراؤهم وأفكارهم وتوجهاتهم هو أمر طبيعي أيضا على الإنسانية أجمع، الأفكار هي ثمار الإنسان يُدوِّنها ويخرجها ليتشاركها مع غيره من ثمار الآخرين، وما يجب على أي إنسان يحمل فكر سياسي هو أن يقتنع بأن ثماره قد لا تعجب فئة معينة من الناس، كما قد تعجب فئة أخرى أيضا، فيجب أن يتقبل ويتعايش مع ما يأتيه أو يقابله في محيطه السياسي من أفكار وتوجهات وأن لا يتصادم معها حتى وإن اختلفت مع فكره وتوجهاته ما لم تُفرض عليه، فالفصل بين الأفكار والتوجهات السياسية هي قاعات المناظرات والندوات، هناك فقط أقتنع معك أيها السياسي بأنك تفهم معنى أن الاختلاف لا يفسد للود قضية، إنَّ الفكر نعمة والاختلافُ فطرة والمناظرات فصلٌ بين الأفكار ووجهات النظر والآراء والاتفاق مبدأ الحكماء.

وأقول هنا إلى كل الأحزاب السياسية بأفكارها وتوجهاتها المتعددة المختلفة، إنَّ الاختلاف السياسي يفسد للود قضية عندما لا تتعايش كل الأطراف المختلفة فيه مع آراء بعضها البعض وأفكارها وتوجهاتها، الاختلاف السياسي يفسد للود قضية عندما لا تقبل كل الأطراف المختلفة فيه بأن تتقابل مع آراء بعضها البعض وأفكارها وتوجهاتها لتصحيح المفاهيم وتوحيد المسار والهدف الرئيسي والذي من المفترض أن يكون بناء الدولة لا هدمها، الاختلاف السياسي يفسد للود قضية بازدياد حدة الاختلافات بين كافة الأطراف السياسية بأفكارها وتوجهاتها المختلفة فتنتقل إلى خلافات وتعصُّب وفرض للآراء والأفكار والمفاهيم من قبل البعض على الآخرين، الاختلاف السياسي يفسد للود قضية بازدياد حدة الخلافات بين كل الأحزاب والأطراف السياسية بتوجهاتها الفكرية المتعددة فتصل بذلك إلى قناعة تامة بعدم تقبلها وتعايشها مع بعضها البعض في محيط سياسي واحد فيصبح كل حزب في عين الحزب الآخر هو عدو خطير ويجب القضاء عليه، الاختلاف السياسي يفسد للود قضية عندما تحتكم كل الأحزاب والأطراف السياسية المتضاربة بتوجهاتها الفكرية المتعددة إلى الاقتتال بدلا من قاعات المناظرات للفصل في ما بينها، الاختلاف السياسي يفسد للود قضية عندما يتساقط ركام اقتتال الأحزاب والتوجهات السياسية إلى الشارع فينتقدها فلا تقبل بعض الأطراف السياسية المتقاتلة في ما بينها آراء وأفكار الشعب لاسيما انتقاده أيضا فيصبح هو أيضا عدو لها!، الاختلاف السياسي يفسد للود قضية عندما تسود في السياسة جملة إن لم تكن معي فأنت ضدِّي فببساطة لن تصبح حينئذ سياسة!، فأي اختلاف ذاك الذي لا يفسد للودِّ قضية؟!، فجميع الأحزاب السياسية بكافة أطرافها وتوجهاتها إلى الآن لم تمُت لهذه الجملة بأية بصلة إلا ما رحم ربي، لذلك لم أنتمي في حياتي إلى أي حزب من الأحزاب السياسية المتواجدة في العالم أجمع لاسيما المتواجدة أيضا في موطني.

إن التعددية الحزبية المتصارعة فاشلة ما لم تتوافق بالتعددية فيما بينها على خطة إصلاحية واحدة تشمل كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للدولة وشعبها ومؤسساتها شريطة أن تحقق فيها طموح الشعب الذي هو أساس دولته المنشودة وأن يتم فيها تغليب المصلحة العامة للشعب على المصالح الشخصية والأهواء، التعددية الحزبية غير المتوافقة فاشلة ولا تربو إلى شيء في ميدان التأمل والتفكر والتدبر فيها، إن التعددية الإصلاحية السليمة هي التعددية المتوافقة في النتيجة المرجوة والمختلفة فقط في التفاصيل، متوافقة في ثوابتها وقيمها ومبادئها ومختلفة فقط في أفكارها ووجهات نظرها وآرائها بما لا يتعارض مع ثوابتها المشتركة، التعددية الإصلاحية السليمة هي التعددية غير المتصارعة على السلطة فيما بينها بغية الإصلاح، وغير ذلك من مظاهر التعددية يعتبر تعددية متشتتة متصارعة هادمة بسبب عدم وجود ثوابت مشتركة بين المختلفين، فالاختلاف والتنوع الطبيعي هو الاختلاف والتنوع المبني على ثوابت مشتركة بين المختلفين، فليس كل الاختلاف طبيعي بل هناك اختلاف طبيعي بَنَّاءٌ واختلافٌ غير طبيعي هَدَّام، الاختلاف الطبيعي البَنَّاء يكون في الأفكار ووجهات النظر والآراء في ظل عدم الاختلاف في القيم والمبادئ الثابتة المشتركة بين المختلفين، أما الاختلاف غير الطبيعي الهدام فهو الاختلاف غير المبني على ثوابت مشتركة بين المختلفين، أي اختلاف في الأفكار ووجهات النظر والآراء واختلاف في الثوابت أيضًا! فأين النقاط التي يجتمع فيها مثل هؤلاء بتعدديتهم غير الطبيعية هذه؟!، إن الاختلاف غير المبني على ثوابت مشتركة بين المختلفين هو اختلاف غير طبيعي هدام ولا ينهض بالدولة وشعبها ومؤسساتها بل يثقل كاهلهم، فالاختلاف الطبيعي البناء الذي ينهض بالدولة وشعبها ومؤسساتها ويخفف أعباءهم هو الاختلاف والتنوع المبني على ثوابت مشتركة بين المختلفين، اختلاف طبيعي وتنوع في الأفكار ووجهات النظر والآراء في ظل قيم ومبادئ ثابتة مشتركة بين المختلفين، فعززوا الاختلاف والتنوع الطبيعي المبني على ثوابت لا يختلف عليها الجميع فذاك اختلاف بَنَّاءٌ ينهض بأوطانكم، وَانبذوا الاختلاف والتشتت غير الطبيعي غير المبني على ثوابت مشتركة بين المختلفين فذاك اختلافٌ هَدَّامٌ يثقل كاهلكم وكاهل أوطانكم، فلتَحْذروا الاختلاف غير الطبيعي غير المبني على ثوابت مشتركة بين المختلفين فهو اختراق فكري لعقلكم الجمعي، وأجمعوا على ثوابتكم وأساساتكم وعلى عدم الاختلاف فيها ثم اختلفوا في أفكاركم ووجهات نظركم وآرائكم بما لا يتعارض معها فذلك هو المعنى الحقيقي للاختلاف الطبيعي الذي لن يفسد للود قضية بينكم، الاختلاف والتعددية الطبيعية في الأفكار ووجهات النظر والآراء في ضوء ثوابت وقيم ومبادئ مشتركة بين المختلفين مَعًا في آنٍ باعتدال وتوازن واتزان دون إفراط أو تفريط بإتقان قدر الاستطاعة والإمكان والله ولي التوفيق.


▪︎ علي الحبيب بوخريص.

▪︎ من كتابه نظرية الاتزانية.