التغيير إلى الأفضل يبدأ بالجوهر قبل المظهر


لطالما كان التغيير إلى الأفضل طموح الإنسانية على مر العصور، ابتداءً من تغييرها لطريقة تفكيرها وتجديدها لقناعاتها وأفكارها ونظرياتها وابتكاراتها كل ما مرت عليها فترة من الزمن، فكل الفترات الزمنية تختلف فيها أفكار الإنسانية ونظرياتها وابتكاراتها تماما عن أفكارها ونظرياتها وابتكاراتها السابقة، كل هذا الطموح سعيا منها في أن تصبح أفضل مما هي عليه ومن أفضل لأفضل وهكذا دواليك.

وبما أن التغيير إلى الأفضل هو طموح لدى الجميع سواء على صعيد الأشخاص في حياتهم الشخصية والعامة للارتقاء بها إلى الأفضل دائما، أو على صعيد إدارات الدول في أفكارها وأنظمتها ولوائحها لتنظيم وتيسير شؤونها للارتقاء بها إلى الأفضل أيضا، من هنا يتضح أن الاختلاف يكمن فقط في تعدد وجهات النظر والآراء حول ماهية وكيفية التغيير إلى الأفضل من شخص لآخر ومن إدارة دولة لأخرى، ويبقى اختلاف الإنسانية في أفكارها وآرائها ووجهات نظرها أمر طبيعي لاختلاف حضارات الأمم وإرثها القِيَمِي والمعْنَوِي العام.

إن ناتج التغيير الصحيح إلى الأفضل يكون بفهم ماهية التغيير إلى الأفضل أولا، وباستثمار كل النعم التي وهبها الله للإنسان بطريقة أفضل عند إرادة التغيير ثانيا، وتبقى إرادة التغيير إلى الأفضل بدءًا بالجوهر قبل المظهر أساسا لهذا التغيير، نغير ما بأنفسنا يتغير ما بنا، قدر الاستطاعة والإمكان، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم) [الرعد:11]، والتوفيق عند إرادتنا التغيير إلى الأفضل هو من عند الله تعالى وإرادته، قال تعالى: (وَمَا تَوْفِيقِيَ إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب) [هود:88].

ترى بعض وجهات النظر أن التغيير إلى الأفضل بطريقة تغيير المظهر الخارجي فقط هي الطريقة الأسهل والأقصر مدة للتغيير، لِمَا في تغيير ما بالجوهر الداخلي من قناعات وأفكار سيئة إلى قناعات وأفكار حسنة من بحث ومشقة ومدة أطول من المدة التي يستغرقها تغيير المظهر الخارجي فقط، ولكنه حقيقة تستحق العناء، فتغيير المظاهر الخارجية سهل وقصير المدة ولكنه تغيير طفيف وجزئي مع مساوئ أكثر فهو لا يعبر بالضرورة عن قناعة الجوهر الداخلي الذي لم يتم إدخاله في عملية التغيير، وهنا يكمن سبب الخلل والتشتت وعدم الاتزان عند مثل تلك الوجهات من النظر سواء على صعيد الأشخاص أو على صعيد إدارات الدول، فوجهات النظر التي ترى أن التغيير إلى الأفضل يكون بتغيير المظهر الخارجي فقط تتحصل على نتيجة تغير طفيفة وجزئية ومتشتتة وذلك بسبب عدم اتزان المظهر الخارجي المكترث به في عملية التغيير مع الجوهر الداخلي الذي لم يتم الاكتراث به في عملية التغيير بتاتا. 

إن كيفية التغيير إلى الأفضل تكمن في البدء بالجوهر قبل المظهر، فغالبا ما تشوب الجوهر الداخلي بعض تراكمات الأخطاء والقناعات والأفكار السيئة، تلك التراكمات من الأخطاء والقناعات والأفكار السيئة تلزم منا البدء بها عند إرادة التغيير إلى الأفضل، فالقناعات والأفكار السيئة في الجوهر الداخلي تعطي انعكاسا سيئا على القول والفعل الناتج عنها، القناعات والأفكار تسبق الأقوال والأفعال، وما الأقوال والأفعال إلا نتائج القناعات والأفكار، لذلك فإن التغيير إلى الأفضل يكون بدءًا بالجوهر قبل المظهر، بتغيير القناعات والأفكار السيئة في الجوهر الداخلي وترسيخ القناعات والأفكار الحسنة وبالتالي يتغير القول والفعل الناتج عنها تدريجيا، رويدا فرويدا، تغير في القناعات والأفكار السيئة في الجوهر الداخلي فيتغير القول والفعل الناتج عنها تدريجيا من سيئ لأحسن فأحسن وهكذا دواليك، ومن هنا أتت إرادة التغيير إلى الأفضل بدءًا بالجوهر قبل المظهر، ويكون ذلك بإزالة وتغيير كل ما بالجوهر الداخلي من قناعات وأفكار سيئة إلى قناعات وأفكار حسنة فينعكس هذا التغيير إلى الأفضل في الجوهر الداخلي على المظهر الخارجي فيتغير هو أيضا إلى الأفضل تدريجيا، والناتج عن هذا التغيير إلى الأفضل هو اتزان بين الجوهر والمظهر قدر الاستطاعة والإمكان، إصلاحُ جوهر الإنسانية يُصْلِح مظهرها وإصلاحُ سَرِيرَتِها يُصْلِح علانِيَّتَها وليس العكس، ولا كمالية للإنسانية في حياتها الدنيوية بل انتقالية من حالة إلى حالة أفضل منها وهكذا دواليك، يتغير المظهر الخارجي إلى الأفضل في ضوء تغير الجوهر الداخلي إلى الأفضل أوَّلًا مَعًا في آنٍ باعتدال وتوازن واتزان دون إفراط أو تفريط بإتقان قدر الاستطاعة والإمكان والله ولي التوفيق.


▪︎ علي الحبيب بوخريص.

▪︎ من كتابه نظرية الاتزانية.