الاتزانية الثقافية


النخبة المتزنة في ضوء الفئة المتطلعة من الشعب ولا تنبع إلا من عمق المجتمع وعقله الجمعي وتتسم بقدرات الوعي والتأثير الحسن في الدولة والمجتمع ككل، وتعمل على زيادة الوعي العام بقضايا الحاضر والمستقبل للشعب ودولته ومؤسساته على حد سواء وعيًا بسبل تحقيق المتطلبات اللازمة ومواجهة التحديات المقابلة، وترسيخ القيم والمبادئ النبيلة ونشر الثقافة العامة والتنمية المعرفية في شتى المجالات تحصينا للعقل الجمعي من الاختراق الفكري والقناعات والأفكار الهدامة المتطرفة وتنامِيًا للوعي بالمجال الحسي وفوق الحسي للدولة والمجتمع ككل، والاستقراء الدائم لرأي الشعب العام وتطلعاته سعيًا في إيصالها بسبل الموضوعية والتأثير الحسن في الدولة تكامُلًا لتحقيق ما فيه الخير للصالح العام، للشعب ودولته ومؤسساته على حد سواء، النخبة المتزنة تُعْمِلُ التأمل والتفكر والتدبر في ضوء الاستفادة من الماضي وصناعة الحاضر واستشراف المستقبل، وتُعْمِلُ العقل في ضوء النقل معا في آنٍ باعتدال وتوازن واتزان دون إفراط أو تفريط بإتقان قدر الاستطاعة والإمكان. 

هذا وتتعدد النخب المتزنة وتتكامل فيما بينها بحكم تنوع مجالاتها وأنشطتها وأدوارها الفعالة المؤثرة تأثيرًا حَسَنًا في الدولة والمجتمع ككل، بينما تمثل جميعها وبشكل عام كيان النخبة المتزنة بجميع مجالاتها وأنشطتها المتنوعة المتكاملة، فجميع النخب المتزنة لها صوتها وتأثيرها في الدولة والمجتمع ككل حسب نوع نشاطها ودورها الفعال وبما يتضمن التكامل مع الإرادة الجمعية للكل نحو تحقيق ما فيه الخير للصالح العام على كافة الأصعدة، المجتمع المتزن هو الدرجة الأولى، والنخبة المتزنة من المجتمع المتزن، والنخبة المتزنة هي الدرجة الثانية، والساسة المتزنون من المجتمع المتزن والنخبة المتزنة، والساسة المتزنون هم الدرجة الثالثة، والنظام المتزن من المجتمع المتزن والنخبة المتزنة والساسة المتزنون، والنظام المتزن هو الدرجة الرابعة، ويتكامل المجتمع والنخبة والساسة في النظام المتزن لتحقيق ما فيه الخير للصالح العام على كافة الأصعدة دون إفراط أو تفريط في كل شيء.

أما اللانخبة فهم ذوي التأثير السيء على الدولة والمجتمع ككل، هم السفسطائيون الذين لا يذهبون بالدولة والمجتمع إلا باتجاه العشوائية والفوضى النابعة من الاضطراب لتحقيق مصالحهم الشخصية غير المشروعة والتي لا تتحقق لهم إلا في ظل الفوضى والأزمات لا في ظل الانتظام والنظام المتزن الذي يُنْشِدُه المجتمع المتزن والنخبة المتزنة، وأقرب مثال على هؤلاء هم المتطرفون وممولوهم ومنظروهم على حد سواء، هنا يجب أن يكون صوت المجتمع والنخبة الذين يُنشِدون الاتزان لتأطير الانتظام أقوى من نشاز اللانخبة الذين ينشدون الاضطراب لتأطير الفوضى، الأمور تدفع بأضدادها والاتزان يدفع الاضطراب، بذلك تتحقق الدولة المتزنة بشعبها ونخبتها وساستها المتزنون لِتُكمل مسيرتها نحو تكامُل المنافع للصالح العام وتعاطُل المضار عنه على الدوام وفقًا للمهام المناطة بالجميع في شتى مجالات الأعمال تحقيقا لما فيه الخير للصالح العام.

النخبة المتزنة بكافة مجالاتها وأنشطتها المتنوعة تتطلب ترسيخ المراجعة والاستدراك والتصالح والتسامح والتقابل والتعارف والاجتماع والتحاور والتشاور والتوافق على ما فيه الخير للصالح العام، الأمر الذي يرسخ اعتدالها واتزانها وإتقانها وفاعلية تأثيرها الحسن في الدولة والمجتمع ككل، تعاوُنًا وتضامُنًا وَوَحْدَةً وتوحيدًا لِلجُهود نحو تحقيق ما فيه الخير للصالح العام على كافة الأصعدة، النخبة المتزنة تدلو بقناعاتها وأفكارها ووجهات نظرها وآرائها وفقًا لمنظورها ومعرفتها المسبقة معا في آنٍ واحد ولا تكتفي بنقل النظريات الفكرية الإنسانية السابقة فقط لا غير فهذا جمودٌ فكري لا يضيف شيئا على مسيرة تاريخ الفكر الإنساني، النخبة المتزنة نخبة متأملة متفكرة متدبرة منتجة نافعة تقوم بِإِعمال العقل في ضوء النقل مَعًا في آن باعتدال وتوازن واتزان فيهما دون إفراط أو تفريط بإتقان قدر الاستطاعة والإمكان، استفادة من الماضي وصناعة للحاضر واستشراف للمستقبل، تحقيقًا لإيعازات الضمير ونداءات الواجب للمشاركة البناءة في تحصيل المنافع للشعب ودولته ومؤسساته ودفع المضار عنهم على الدوام، الفكر نتاج التأمل والتفكر ومعياره تدبر النفع الذي يؤول إليه إصداره سعيا لتحقيق ما فيه الخير للصالح العام وليس الفكر نتاج المفكرين السابقين فقط لا غير، الفكر النافع هو ما وافق الخير ولا محدودية في فكر الخير ونفع الغير، الاجتهاد في الخير لنفع الغير لا ينتهي.

لا مناص من أن التعلم التقليدي في المؤسسات التعليمية التقليدية أمر مهم لكن يجب أن لا ننسى أن التعلم الذاتي الحر الأوسع أمر أهم، هذا كيلا نقصي المهم والأهم، إن مسيرة الفكر الإنساني لا تتوقف عند حقبة معينة من التاريخ بل هي مسيرة تتكامل فيها عقول المفكرين على مر العصور في شتى مجالات العلوم الإنسانية والتي تعد اجتهادات سواء الصواب منها أم الخطأ وتظل اجتهادات فكر الإنسانية دائما بين الصواب والخطأ والمزايا والعيوب ولا كمالية لفكر الإنسانية، والفكر الراجح هو الفكر الداعي لتحقيق ما فيه الخير للصالح العام وهو لب القصيد، الفكر النافع مطلوب وتقديسه غير مرغوب، الدين مقدس منزه عن الأخطاء بقدسيته والفكر الإنساني لا يتعدى كونه فكرا ينبع من اجتهاد يصيب ويخطئ ما نصيب فيه فمن فضل الله وما نخطئ فيه فمن أنفسنا والتوفيق بالله، فلتنتج النخبة أفكارها النافعة المستفيدة من الماضي والمعالجة للحاضر والمستشرفة للمستقبل والفكر النافع ما وافق الخير، فلنجعل الخير ونفع الغير معيارا قال صلى الله عليه وسلم: (خيرُ الناس أنفعُهم للناس) [صحيح الجامع:3289]، فلتُدْلِي النخبة بقناعاتها وأفكارها ووجهات نظرها ورؤاها وآرائها ذاتيًّا حيال كل ما يهم الوطن والمواطن على كافة الأصعدة ولتحرص على أن تكون جالِبةً للمنافع دافِعةً للمضار بالموازنة المستمرة قبل إصدارها بشكل عام والله ولي التوفيق.


▪︎ علي الحبيب بوخريص.

▪︎ من كتابه نظرية الاتزانية.