مصلحة الكل تكمن في مصلحة الكل


مصلحة الكل تكمن في مصلحة الكل ولا تكمن في مصلحة الجزء من الأساس، مصلحة الكُل تكمُنُ في مصلحة الكُل بدون أيَّة فوارق بينية في المصلحة العامة للجميع، تنصهر مصلحة الجزء في مصلحة الكُل كما تنصهر مصلحة الفرد في مصلحة المجموع، بذلك نصبح على الوحدة وتوحيد الجهود لتحقيق ما فيه الخير للصالح العام، للشعب ودولته ومؤسساته على حد سواء، تعلو المصلحة العامة للشعب ودولته ومؤسساته على كافة المصالح الخاصة بالدولة ولا يمكن للدولة العامة أن تكون دولة خاصة في يوم من الأيام، مصلحة الكل عامة وتحققها الدولة العامة للجميع، بهم وإليهم بالوحدة وتوحيد الجهود في شتى مجالات الأعمال لتحقيق ما فيه الخير للصالح العام.

العمل في الدولة المتزنة يكون للصالح العام بالدرجة الأولى وليس للصالح الخاص، الصالح العام مصلحة الكل، والصالح الخاص مصلحة الجزء، ولا يمكن لمصلحة الجزء أن تعلو على مصلحة الكل، فالكل يسود على الجزء وسيادة الجزء على الكل من المحال، وخير الأمثلة على الأنظمة الفكرية التي تشير بوضوح إلى تَغَوُّل مصلحة الجزء على مصلحة الكل هي بعض الدول التي تعتمد نظرية الرأسمالية التي تتضمن في محتواها عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي والتي تشير في مبدئها الرئيسي إلى الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، كيف لدولة مستقلة ذات سيادة أن لا تتحكم في اقتصادها؟!، فالدولة التي لا يعمل اقتصادها في ظلها هي دولة لا تملك اقتصادها من الأساس، وإن لم يخدم الاقتصاد الشعب ودولته ومؤسساته فهو يخدم غيرها، من يملك اقتصادكم يملك دولتكم فلتحرصوا على استقلال الاقتصاد وبقائه اقتصادا عامًّا في ظل الدولة العامة دون هيمنة خارجية عليه عبر نوافذها في الداخل، فالدولة التي لا تملك اقتصادها هي دولة غير مستقلة سياسيا وإن تظاهرت بذلك في أعياد الاستقلال.

الدولة المتزنة تحفظ الملكيات العامة والخاصة على حد سواء ولكنها تفصل بين رأس المال العام للدولة ورأس المال الخاص للأفراد، لا أن يتغول الأخير عليه فلا يمكن لرأس المال الخاص أن يسود على رأس المال العام للشعب ودولته ومؤسساته العامة، الجزء في ظل الكل ولا ظل للجزء على الكل بتاتا، هنا يكون الجميع سواسية أمام القانون في الحقوق والواجبات على حد سواء، هنا تتحقق المصلحة العامة للشعب ودولته ومؤسساته على الصعيدين العام والخاص باتزانية غير قابلة للتجزئة، الاتزانية بالتغليب بالتسديد والتقريب، نحو اقتصادٍ متزن يتم فيه تغليب المصلحة العامة الجمعية الكلية على المصالح الخاصة الشخصية الجزئية مع حفظ الملكيات العامة الكلية والملكيات الخاصة الجزئية على حد سواء، وهذا ما يجب أن يفهمه الصعيد الخاص في الدولة المتزنة، يجب أن تنصهر مصلحة الجزء في مصلحة الكل كما تنصهر مصلحة الفرد في مصلحة المجموع، هذا يحقق المصلحتين على حد سواء، انصهار مصلحة الجزء في مصلحة الكل يكمن في عمل الجزء لمصلحة الكل، الكل يضع سياسة الجزء لا أن يضع الجزء سياسته على الكل، ولا يمكن انصهار مصلحة الكل في مصلحة الجزء ولا يمكن أن تعمل مصلحة الكل لأجل مصلحة الجزء، فمصلحة الكل لا تنصهر إلا في مصلحة الكل ولا تعمل إلا لمصلحة الكل، هذا ما يَصْلُح وَيُنْشَد لتحقيقه دائمًا وأبدًا، هذا ما يقوله الضمير ونداءات الواجب من الفرد تجاه بني وطنه وأمته، حيث تتلاشى الأنا المجزئة في ظل الكل ويسود الضمير الجمعي على الفرد والمجتمع، الضمير الداعي قولا وعملا لتحقيق ما فيه الخير للصالح العام.

الملكيات العامة للدولة يجب أن تحفظ وتصان كالملكيات الخاصة تماما، هذه هي النقطة الفارقة بين من يعملون لتحقيق مصالحهم الخاصة الضيقة المحدودة ومن يعملون لتحقيق المصلحة العامة الواسعة الشاملة للجميع، كون من يعملون للصالح العام يعلمون جيدا أن مصلحتهم تكمن هناك ومنصهرون بها في مصلحة الكل وهم يعتبرون جزءًا لا يتجزأ منه بطبيعة الحال وهم يُنشِدون المعنى قبل المادة فالمادة تابعة للمعنى ولا يتبع المعنى المادة بتاتا، يُنْشَدُ الْمَعْنَى والمادَّة تَتْبَعُه، عندما يعي المرء ذلك تتحقق مصالحه ومصالح الغير لأنها أصبحت واحدة منصهرة، دولة واحدة للجميع، شعب واحد، مصالح واحدة للجميع دون أية أقلية محتكرة تعمل لصالح جزء ضد الكل، فلا صالح للجزء دون صالح الكل من الأساس، مصلحة الكل تكمن في مصلحة الكل وهي تحقيق ما فيه الخير للصالح العام، وعندما يعمل الأفراد والمجموعات على تحقيق ذلك نصبح على الوحدة وتوحيد الجهود لتحصيل المنافع المشروعة لجميع مواطني الدولة المتزنة وتكامُلها ودفع المضار بذات الآلية وتعاطُلها في شتى مجالات المهن والأعمال العامة والخاصة وفقًا لما ينصه دستور الدولة وقوانينها ولوائحها وتشريعاتها النافذة تحقيقا لما فيه الخير للصالح العام، مصلحة الجزء في ضوء مصلحة الكل مَعًا في آنٍ باعتدال وتوازن واتزان دون إفراط أو تفريط بإتقان قدر الاستطاعة والإمكان والله ولي التوفيق.


▪︎ علي الحبيب بوخريص.

▪︎ من كتابه نظرية الاتزانية.